قصـة المثـل السـائـر : إن غـدا لنـاظـره لقـريــب.

وهو من الامثال العربية المشهورة والذائعة الصيت، المتداولة بين الناس، وقصة هذا المثل أتت من حادث وقع للنعمان بن المنذر ملك الحيرة.

كان النعمان بن المنذر يهوي الصيد، وكان لديه فرس اسمها اليحموم،  وكانت سريعة العدو، كان النعمان يحبها كثيرا ويستعملها في الفروسية والتجول والصيد. وبينما هو على ظهرها يوما إذ لمح حمارا وحشيا، فعزم على اصطياده ، فطارده، وظل خلفه يطلبه الى أن فقد أثره ، وأدرك النعمان أنه قد تاه في الصحراء، وأضل طريق العودة. وبينما هو في حيرته لمح خيمة مضروبة في البعيد ، فاتجه صوبها ، ولما دنى منها لمح داخلها رجلا وامرأته. وأحس الرجل وزوجته بحركت الفرس خارج الخيمة، فخرجا لاستطلاع الامر، فإذا بهما في حضرة النعمان.

بادر الزوجان بالسلام على النعمان وعرضا عليها الضيافة فقبل .
دخل النعمان بن المنذر الخباء، وكان مجهدا شديد التعب من كثرة ما عدى بفرسه وراء طريدته تحت قرّ الظهيرة ، راغ الأعرابي وكان يسمى حنظله الى  شاة يملكها فحلبها ثم ذبحها،وأحسن أكرام ضيفه جهد مستطاعه.
وبات النعمان ليلته في الخباء، وفي الصباح أخذ طريقه إلى قصره، بعد أن دله الاعرابي على الطريق.
وقبل أن يهم النعمان بالانصراف قال لحنظلة، يا أخا طيّ، قد  عرفت أنني الملك النعمان فأطلب جزاء ما قدمت لي؟
فرد عليه الاعرابي، أفعل هذا ان شاء الله.

تمضي الأيام، ويسوء حال الاعرابي حنظلة، ويشتد فقره هو وزوجته، فيقرر أن يزور النعمان ويطلب مسألته لقاء الجميل القديم الذي قدمه للملك النعمان.

في أحد الأيام كان النعمان ثملا، قد شرب الخمر حتى سكر، وكان له نديمان احدهما اسمه خالد بن المضلل، والأخر اسمه عمر وبن مسعود بن كلدة، فأمر بقتلهما، وعندما أفاق من سكره، وعرف ما اقترفت يداه، حزن حزنا شديدا، لأنه كان يحبهما حبا جما، فأمر بدفنهما، وأمر بأن يبنى عليهما بناء طويلا عريضا سماه العزيان، وجعل لنفسه كل عام يوم بؤس، ويوم نعيم يجلس فيهما بين العزيين فمن جاءه يوم نعيمه أكرمه وأجزل العطاء له، ومن جاءه يوم بؤسه قتله دون اشفاق أو رحمة.
وشاء الله أن يصل حنظلة القادم من عمق الصحراء، أن يصل قصر النعمان في يوم بؤسه وعرفه النعمان، وحزن حزنا شديدا بأن مصير هذا الرجل الذي أكرمه هو الموت.
قال له النعمان:
ياحنظلة هلا أتيت في غير هذا اليوم؟
قال حنظلة:
أبيت اللعن لم يكن لي علم بما أنت فيه.
 قال له النعمان بن المنذر:
فاطلب حاجتك من الدنيا وسل ما بدا لك فإنك مقتول.
قال له الاعرابي:
أبيت اللعن وما أصنع بالدنيا بعد موتي؟
فأجلني حتى أعود إلى أهلي فأوصي إليهم وأقضي ما علي ثم انصرف إليك.
قال له النعمان:
فأقم لك كفيلا.
فالتفت الطائي إلى شريك بن عمروبن قيس الشيباني وكان يكنى أبا الحوفزان 
فقال: ياشريك، يا ابن عمرو، هل من الموت محالة يا أخي كل مصاب يا أخ من لا أخا له
يا أخا النعمان يكفيك اليوم عن شيخ كفالة ابن شيبان كريم أنعم الرحمن باله.
ولكن أبا شريك رفض أن يكفله وكان بين الحاضرين قراد بن أجدع الكلبي فضمنه
مضت الأيام..
وجاء موعد عودته
وفي اليوم الذي يسبق ميعاد حضور رجل طيء، استقدم النعمان قرادا وقال له.
ما أراك إلا هالكا غدا
فقال قراد:
فإن يك صدر اليوم ولى
فإن غدا لناظره قريب

وفي اليوم التالي ذهب النعمان بن المنذر إلى العزيين، وكان يريد قتل قراد حتى ينجو هذا الاعرابي الذي أكرم وفادته منذ سنين! وكان يتحسر أن هذا الذي أكرمه يأتيه يوم نحسه لايوم نعيمه.. كان ينظر إلى النطع والسيماني، ويتمني في قرارة نفسه ألا يفي هذا الاعرابي من وعده، والا يعود، وأن يرتاح ضميره بأن يقتل من مد له يد المساعدة في وقت كان في أشد الحاجة إلي هذا العون.. فكيف يقتله جزاء إحسانه!
وبينما أراد أن يشير الى السياف بقتل قرادة، اذ بشبح قادم من بعيد.. وكلما تقدم دق قلب النعمان ابن المنذر، وهو يتمنى ألا يكون هو؟ ولكن وضحت الحقيقة عندما جاء شيخ طيء، وعلى وجهه يبدوا عناء السفر واقترب من النعمان، وهو يقول:
ها أنذا قد أوفيت بالعهد.. وعليك أن تفك وثاق قراد!
سأله النعمان:
ما الذي أتى بك وقد أفلت من القتل؟
قال الرجل وهو يلهث من التعب.
الوفاء.
سأله:
ما الذي دعاك لهذا الوفاء.
ديني.
وما دينك؟
النصرانية.
وطلب من حنظلة الطائي أن يحدثه عن هذا الدين، فلما أخبره به، أعلن دخوله النصرانية، وتبعه أهل الحيرة، وكان قبل ذلك على دين العرب.
وأمر النعمان بهدم الغريين، وأمر بالعفو عن قراد وعن الرجل الذي كفله، والذي أصبح الشطر الثاني من البيت من الشعر الذي قاله مثلا.. يضربه الناس في مختلف العصور.
فإن غدا لناظره قريب
وقال النعمان:
ما أدري أيكما أكرم وأوفي.. أهذا الذي نجا من السيف فعاد إليه أم هذا الذي ضمنه، وأنا لا أكون ألأم الثلاثة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

© 2013 جميع الحقوق محفوظة لمدونة بشوظ |